كشف تقرير صادر عن مختبر أبحاث إنسانية متخصص في رصد النزاعات، عن قيام قوات الدعم السريع بتنفيذ عمليات ممنهجة لتدمير وإخفاء أدلة تثبت تورطها في ارتكاب جرائم قتل جماعي في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. وأوضح التقرير، الذي استند إلى تحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات مفتوحة المصدر، أن هذه القوات قامت بتجريف مواقع ومقابر، وحرق مباني سكنية، في محاولة لطمس معالم الانتهاكات الجسيمة التي طالت المدنيين.
طمس الحقائق وتدمير البنية التحتية
أشار التقرير إلى أن عمليات التدمير لم تكن عشوائية، بل جاءت كجزء من استراتيجية تهدف إلى إعاقة أي تحقيقات دولية مستقبلية حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وتظهر الصور الجوية آثار حريق وتجريف في أحياء سكنية مكتظة، ومواقع يُعتقد أنها استخدمت لدفن ضحايا القصف العشوائي والاعدامات الميدانية. ويأتي هذا السلوك ليعقد مهام المنظمات الحقوقية ولجان تقصي الحقائق التي تسعى لتوثيق الفظائع المرتكبة في إقليم دارفور منذ اندلاع الصراع.
الفاشر.. الحصن الأخير والأزمة الإنسانية
تكتسب مدينة الفاشر أهمية استراتيجية ورمزية بالغة، كونها العاصمة الوحيدة في إقليم دارفور التي لم تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع بشكل كامل، وتعتبر مركزاً رئيسياً لتجمع مئات الآلاف من النازحين الذين فروا من ويلات الحرب في المدن الأخرى مثل الجنينة ونيالا. وتعيش المدينة تحت وطأة حصار خانق وقصف مدفعي مستمر، مما أدى إلى تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية، وخروج معظم المستشفيات عن الخدمة، وانقطاع سبل الإمداد الغذائي والدوائي.
خلفية الصراع وتداعياته الإقليمية
يعود هذا التصعيد إلى الصراع الدامي الذي اندلع في منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي تسبب في واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم. ويعيد مشهد العنف الحالي في الفاشر إلى الأذهان ذكريات الإبادة الجماعية التي شهدها إقليم دارفور في مطلع الألفية، مما يثير مخاوف المجتمع الدولي من تكرار السيناريو ذاته.
الموقف الدولي وضرورة المحاسبة
حذرت الأمم المتحدة ومنظمات دولية عديدة من أن ما يجري في الفاشر قد يرقى إلى جرائم حرب، مطالبة بضرورة حماية المدنيين وفتح ممرات آمنة. ويؤكد الخبراء أن تدمير الأدلة المادية من قبل الدعم السريع يمثل تحدياً كبيراً أمام العدالة الدولية، إلا أن التقنيات الحديثة وشهادات الناجين تظل أدوات فعالة في توثيق هذه الانتهاكات لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب في المستقبل.


