في خطوة استراتيجية تهدف إلى تحصين السوق المحلية ضد التقلبات ونقص المعروض، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانوناً جديداً يهدف إلى تعزيز إمدادات البنزين والوقود في روسيا. ويركز التشريع الجديد بشكل أساسي على الاستفادة من القدرات التكريرية في دولة بيلاروسيا المجاورة، لضمان تدفق مستقر للمشتقات النفطية إلى المستهلك الروسي.
وينص القانون، الذي صادق عليه الكرملين ونقلت تفاصيله وكالة «ريا» الروسية، على إدخال تعديلات جوهرية في قانون الضرائب الروسي. وتسمح هذه التعديلات للشركات الروسية بالمطالبة باسترداد الضريبة (الاستقطاعات الضريبية) على النفط الخام الذي يتم إرساله للتكرير في الخارج – وتحديداً في بيلاروسيا – وفق آلية «المعالجة بالعمولة». وبموجب هذا النظام، تحتفظ الشركات الروسية بملكية المنتجات النهائية (البنزين والديزل) وتعيد توريدها بالكامل لبيعها داخل السوق الروسية.
سياق الأزمة والخلفية التاريخية
تأتي هذه التحركات التشريعية في وقت تواجه فيه روسيا تحديات غير مسبوقة في قطاع الطاقة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. فقد تعرضت البنية التحتية للطاقة في روسيا، وتحديداً مصافي التكرير، لسلسلة من الهجمات المكثفة بالطائرات المسيرة الأوكرانية خلال العامين الماضيين. وقد أدت هذه الهجمات إلى تعطل وحدات تكرير رئيسية، مما تسبب في تراجع القدرة الإنتاجية المحلية وخلق فجوة بين العرض والطلب في أوقات الذروة.
ولمواجهة هذه التحديات، اضطرت الحكومة الروسية لاتخاذ إجراءات حمائية صارمة، بدأت بفرض حظر جزئي على صادرات الديزل في أواخر سبتمبر الماضي، بالإضافة إلى تمديد القيود المفروضة على صادرات البنزين. وتهدف هذه القرارات إلى إعطاء الأولوية للسوق المحلية وكبح جماح الأسعار التي شهدت ارتفاعات أثرت على القطاعات الاقتصادية والزراعية.
الأهمية الاستراتيجية والتعاون الإقليمي
يكتسب هذا القانون أهمية خاصة تتجاوز البعد الاقتصادي المباشر؛ إذ يعكس عمق التكامل بين روسيا وبيلاروسيا ضمن إطار «دولة الاتحاد». وتتمتع بيلاروسيا بمصافي تكرير حديثة ذات قدرات إنتاجية عالية (مثل مصفاتي «موزير» و«نافتان»)، والتي ظلت تاريخياً تعتمد على النفط الروسي. ومن خلال هذا القانون، تحول موسكو هذه المصافي إلى ظهير استراتيجي لتعويض النقص المحلي الناتج عن الهجمات أو أعمال الصيانة الطارئة.
وكان نائب وزير المالية الروسي، ألكسي سازانوف، قد أوضح في تصريحات سابقة أن آلية المعالجة بالعمولة تضمن أن النفط الروسي المكرر في بيلاروسيا يعود بالنفع المباشر على المواطن الروسي، حيث يتم توجيه جميع مخرجات الإنتاج لملء محطات الوقود الروسية، مما يساهم في استقرار الأسعار وضمان أمن الطاقة القومي في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة.


