تقود شركات الطيران السعودية حراكاً مكثفاً وخططاً استباقية تهدف إلى تجنب التداعيات المحتملة لأزمة تأخير تسليم الطائرات التي تواجهها شركة «إيرباص» العالمية، وذلك في إطار سعي المملكة للحفاظ على وتيرة النمو المتسارعة في قطاع النقل الجوي. ويأتي هذا التحرك في وقت تشهد فيه صناعة الطيران العالمية ضغوطاً كبيرة على سلاسل الإمداد، مما أثر بشكل مباشر على جداول تسليم الطائرات الجديدة للعديد من الناقلات الجوية حول العالم.
خلفية الأزمة وسياقها العالمي
لا تعد هذه التحديات وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات بدأت مع جائحة كورونا وما تلاها من اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية. تواجه شركة «إيرباص»، عملاق صناعة الطيران الأوروبي، صعوبات في تلبية الطلب المتزايد بسبب نقص في المكونات الأساسية وتأخيرات من قبل موردي المحركات وقطع الغيار. وقد أدى هذا الوضع إلى إعلان الشركة عن تعديلات في جداول التسليم المتوقعة للسنوات القادمة، مما وضع شركات الطيران التي تعتمد خططها التوسعية على هذه الطائرات أمام تحدٍ حقيقي يتطلب حلولاً غير تقليدية.
أهمية التحرك السعودي وتأثيره على رؤية 2030
يكتسب التحرك السعودي أهمية قصوى نظراً لضخامة الاستثمارات التي تضخها المملكة في قطاع الطيران ضمن «رؤية المملكة 2030». فقد أطلقت السعودية الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي تهدف إلى الوصول لـ 330 مليون مسافر سنوياً وربط المملكة بـ 250 وجهة عالمية بحلول عام 2030. وتعتمد هذه الأهداف الطموحة بشكل كبير على توسيع أساطيل الناقلات الوطنية مثل «الخطوط السعودية»، و«طيران ناس»، والناقل الجديد «طيران الرياض».
إن أي تأخير جوهري في استلام الطائرات قد يؤثر على الجداول الزمنية لهذه المستهدفات؛ لذا فإن الحراك الحالي الذي تقوده الشركات السعودية يتضمن مفاوضات مكثفة لضمان أولوية التسليم، بالإضافة إلى دراسة خيارات بديلة مثل تمديد عقود استئجار الطائرات الحالية، أو البحث عن طائرات مستأجرة لتغطية العجز المؤقت، وذلك لضمان عدم تأثر السعة المقعدية المتاحة للمسافرين، خاصة مع النمو الكبير في أعداد المعتمرين والسياح.
التأثير الإقليمي والدولي
على الصعيدين الإقليمي والدولي، يُنظر إلى السوق السعودية حالياً كواحدة من أكبر أسواق الطيران نمواً في العالم. وتعتبر الطلبيات الضخمة التي قدمتها الشركات السعودية لشركتي «إيرباص» و«بوينغ» ركيزة أساسية في دفاتر طلبات المصنعين. وبالتالي، فإن نجاح الشركات السعودية في إدارة هذه الأزمة لن ينعكس إيجاباً على السوق المحلي فحسب، بل سيعزز من استقرار حركة السفر في منطقة الشرق الأوسط التي تعد نقطة وصل محورية بين الشرق والغرب، ويؤكد مكانة المملكة كلاعب رئيسي ومؤثر في صناعة الطيران العالمية القادر على التعامل مع الأزمات بمرونة وكفاءة عالية.


