في خطوة استراتيجية تعكس طموح المملكة العربية السعودية المتنامي في قطاع الفضاء، تستعد المملكة لإطلاق أول قمر صناعي متخصص في رصد طقس الفضاء. يأتي هذا المشروع ضمن سلسلة من المبادرات الطموحة التي تقودها وكالة الفضاء السعودية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بهدف تعزيز القدرات الوطنية في مجال علوم الفضاء وتطبيقاته.
قفزة نوعية في قطاع الفضاء السعودي
يمثل هذا الإعلان محطة مفصلية في مسيرة برنامج الفضاء السعودي، حيث ينتقل التركيز من مجرد إطلاق أقمار الاتصالات والاستشعار عن بعد التقليدية إلى مجالات علمية دقيقة ومعقدة مثل فيزياء الفضاء. ويهدف القمر الصناعي الجديد إلى جمع بيانات دقيقة حول الظواهر الشمسية وتأثيراتها على الغلاف الجوي للأرض، وهو ما يُعرف بـ “طقس الفضاء”. هذه البيانات ستكون حيوية ليس فقط للبحث العلمي، بل لحماية البنية التحتية التقنية الحساسة في المملكة والمنطقة.
السياق التاريخي: مسيرة ممتدة من الإنجازات
لم يكن هذا الإنجاز وليد الصدفة، بل هو نتاج عقود من العمل الدؤوب. بدأت علاقة المملكة بالفضاء منذ عام 1985 مع رحلة الأمير سلطان بن سلمان كأول رائد فضاء عربي مسلم على متن المكوك ديسكفري. ومنذ ذلك الحين، أطلقت المملكة أكثر من 17 قمراً صناعياً ناجحاً، أبرزها سلسلة أقمار “سعودي سات”. وتوجت هذه الجهود مؤخراً بتأسيس وكالة الفضاء السعودية وإرسال رائدي الفضاء ريانة برناوي وعلي القرني إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2023، مما يؤكد استمرارية وتطور الرؤية السعودية في هذا المجال.
أهمية رصد طقس الفضاء وتأثيره
قد يتساءل البعض عن جدوى رصد طقس الفضاء، وتكمن الإجابة في تأثيره المباشر على التكنولوجيا الحديثة. العواصف الشمسية والاضطرابات المغناطيسية يمكن أن تؤثر سلباً على:
- أنظمة الملاحة وتحديد المواقع (GPS): دقة هذه الأنظمة تعتمد بشكل كلي على استقرار الإشارات القادمة من الفضاء.
- شبكات الاتصالات والطاقة: يمكن للعواصف المغناطيسية القوية أن تعطل شبكات الكهرباء والاتصالات اللاسلكية.
- حركة الطيران: تعتمد الطائرات في مساراتها القطبية وعبر المحيطات على بيانات دقيقة حول الإشعاع الكوني.
وبالتالي، فإن امتلاك المملكة لقدرات رصد مستقلة يعزز من أمنها القومي ويحمي بنيتها التحتية الحيوية من أي مفاجآت كونية.
الأثر الاستراتيجي والاقتصادي لرؤية 2030
يندرج هذا المشروع في صلب “رؤية المملكة 2030” التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والتحول نحو اقتصاد المعرفة. من خلال توطين صناعة الأقمار الصناعية وتطوير الكوادر الوطنية القادرة على التعامل مع هذه التقنيات المتقدمة، تضع المملكة نفسها كلاعب رئيسي في سوق الفضاء العالمي الذي يتوقع أن تصل قيمته إلى تريليون دولار بحلول عام 2040. كما يعزز هذا المشروع مكانة السعودية كمركز إقليمي للبيانات الفضائية، مما يفتح آفاقاً للتعاون الدولي والشراكات البحثية مع كبرى وكالات الفضاء العالمية.


