في خطوة استراتيجية تعكس التزام المملكة العربية السعودية الجاد نحو التحول في قطاع الطاقة، أعلنت المملكة عن تدشين وتوقيع اتفاقيات جديدة لمشاريع الطاقة المتجددة بقدرة إجمالية تصل إلى 15 جيجاواط. ويأتي هذا الإعلان الضخم ليرسخ مكانة السعودية كقوة عالمية رائدة في مجال الطاقة النظيفة، متجاوزة بذلك العديد من المستهدفات الإقليمية والدولية في سرعة تنفيذ مشاريع الاستدامة.
وتندرج هذه المشاريع العملاقة تحت مظلة البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، الذي تشرف عليه وزارة الطاقة، والذي يهدف بشكل رئيسي إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء في المملكة. وتسعى هذه الجهود الحثيثة إلى تحقيق التوازن الأمثل في مزيج الطاقة المستخدم لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030، حيث تستهدف المملكة الوصول إلى نسبة 50% من الطاقة المتجددة و50% من الغاز الطبيعي، مما يساهم في تعزيز كفاءة الاستهلاك وتقليل الاعتماد على الوقود السائل.
ومن الناحية الاقتصادية، تمثل هذه المشاريع ركيزة أساسية في استراتيجية تنويع الاقتصاد الوطني التي نصت عليها رؤية المملكة 2030. فمن خلال استبدال الوقود السائل المستخدم حالياً في محطات توليد الكهرباء بمصادر طاقة متجددة وغاز طبيعي، ستتمكن المملكة من توفير كميات هائلة من النفط الخام لتصديره أو استخدامه في صناعات تحويلية ذات قيمة مضافة أعلى، بدلاً من حرقه لإنتاج الكهرباء. وتشير التقديرات إلى أن هذه التحولات ستساهم في إزاحة ما يقارب مليون برميل من الوقود السائل يومياً بحلول نهاية العقد الحالي.
وعلى الصعيد البيئي، يعد توقيع اتفاقيات بقدرة 15 جيجاواط قفزة نوعية نحو تحقيق الحياد الصفري للكربون الذي أعلنته المملكة بحلول عام 2060. ستساهم هذه المحطات، التي تعتمد في الغالب على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في خفض ملايين الأطنان من الانبعاثات الكربونية سنوياً، مما يدعم الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي ويحسن جودة الهواء والبيئة داخل المدن السعودية.
علاوة على ذلك، تفتح هذه المشاريع آفاقاً واسعة للقطاع الخاص المحلي والدولي، حيث تعتمد منهجية المملكة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) لتمويل وتشغيل هذه المحطات. هذا التوجه لا يعزز فقط من جاذبية البيئة الاستثمارية في السعودية، بل يساهم أيضاً في توطين تقنيات الطاقة المتجددة وخلق آلاف الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة للشباب السعودي في مجالات الهندسة والتشغيل والصيانة.
ختاماً، يؤكد هذا الإنجاز أن المملكة العربية السعودية لا تكتفي بكونها أكبر مصدر للنفط في العالم، بل تعمل بخطى ثابتة لتصبح المنتج والمصدر الأهم لكل أشكال الطاقة، مستفيدة من موقعها الجغرافي المتميز الذي يمنحها ميزة تنافسية عالية في سطوع الشمس وسرعة الرياح، مما يجعل تكلفة إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة في المملكة من بين الأقل تكلفة على مستوى العالم.


