أشارت التوقعات الاقتصادية الحديثة، وعلى رأسها تقارير وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» (S&P)، إلى أن البنوك السعودية ستواصل الاعتماد بشكل متزايد على أسواق الدين الدولية خلال الفترة المقبلة. يأتي هذا التوجه الاستراتيجي في إطار سعي القطاع المصرفي السعودي لتنويع مصادر التمويل وتعزيز السيولة اللازمة لمواكبة الطفرة الاقتصادية الهائلة التي تشهدها المملكة.
دوافع التوجه نحو الأسواق العالمية
يعتبر هذا التوجه نحو أسواق الدين العالمية خطوة طبيعية ومنطقية في ظل النمو المتسارع للإقراض داخل المملكة. فمع انطلاق المشاريع العملاقة المرتبطة بـ «رؤية المملكة 2030»، مثل نيوم، والقدية، ومشروع البحر الأحمر، ارتفع الطلب على الائتمان بشكل ملحوظ من قبل الشركات والمقاولين والجهات الحكومية. ولتلبية هذا الطلب المتزايد الذي قد يفوق نمو الودائع المحلية في بعض الفترات، تلجأ البنوك إلى إصدار السندات والصكوك الدولية كأداة فعالة لإدارة السيولة وسد الفجوة التمويلية.
السياق الاقتصادي والخلفية التاريخية
تاريخياً، تميز القطاع المصرفي السعودي بملاءة مالية قوية ونسب سيولة مرتفعة، مدعوماً بودائع حكومية وخاصة ضخمة. ومع ذلك، فإن التحول الهيكلي في الاقتصاد السعودي نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط تطلب ضخ استثمارات رأسمالية ضخمة. وقد بدأت البنوك السعودية منذ عدة سنوات في تعزيز نشاطها في أسواق الدين الدولية، مستفيدة من التصنيفات الائتمانية القوية للمملكة ولمؤسساتها المالية، مما يمنحها القدرة على الاقتراض بتكاليف تنافسية مقارنة بنظيراتها في الأسواق الناشئة.
أهمية الصكوك والسندات الخضراء
لا يقتصر الأمر على السندات التقليدية فحسب، بل يشهد السوق توجهاً متزايداً نحو إصدار الصكوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والتي تحظى بطلب عالمي واسع. بالإضافة إلى ذلك، برزت في الآونة الأخيرة أهمية التمويل المستدام، حيث بدأت بعض البنوك السعودية في طرح «السندات الخضراء» لتمويل مشاريع صديقة للبيئة، تماشياً مع مبادرة السعودية الخضراء والالتزامات الدولية للمملكة بشأن المناخ. هذا التنوع في أدوات الدين يجذب شريحة أوسع من المستثمرين الدوليين ويعزز من مكانة المملكة كمركز مالي إقليمي.
التأثير الاقتصادي المتوقع
يحمل هذا الانفتاح على الأسواق الدولية دلالات اقتصادية هامة؛ فهو يعكس ثقة المستثمرين الأجانب في متانة الاقتصاد السعودي واستقرار قطاعه المصرفي الذي يشرف عليه البنك المركزي السعودي (ساما) بضوابط صارمة. كما أن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عبر أدوات الدين يساهم في تعزيز الاحتياطيات الأجنبية ويدعم استقرار سعر الصرف، فضلاً عن توفير السيولة اللازمة للقطاع الخاص للمساهمة بفعالية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
ختاماً، يُتوقع أن تستمر البنوك السعودية في هذا النهج المتوازن، مستفيدة من بيئة أسعار الفائدة العالمية المتغيرة، لضمان استدامة النمو الائتماني ودعم عجلة التنمية الشاملة التي تقودها المملكة في مختلف القطاعات.


