كشفت الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية عن مؤشرات إيجابية تعكس ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي للعديد من المنتجات الغذائية الاستراتيجية في المملكة، وهو ما يمثل تتويجاً للجهود الحكومية المستمرة لتعزيز منظومة الأمن الغذائي الوطني.
قفزة نوعية في الإنتاج المحلي
تُظهر البيانات الإحصائية نمواً ملحوظاً في قدرة المملكة على تغطية احتياجاتها محلياً في قطاعات حيوية. وتتصدر منتجات الألبان، وبيض المائدة، والتمور قائمة السلع التي حققت فيها السعودية معدلات اكتفاء ذاتي مرتفعة، بل وفائضاً للتصدير في بعضها مثل التمور التي تعتبر المملكة من أكبر منتجيها عالمياً. كما يشهد قطاع الدواجن واللحوم الحمراء والأسماك نمواً متسارعاً بفضل الدعم الحكومي الموجه للمشاريع الزراعية والحيوانية.
السياق الاستراتيجي: رؤية المملكة 2030
لا يمكن قراءة هذه الأرقام بمعزل عن السياق العام المتمثل في “رؤية المملكة 2030”. فقد وضعت الرؤية ملف الأمن الغذائي على رأس أولوياتها، من خلال إطلاق وزارة البيئة والمياه والزراعة لعدة برامج ومبادرات تهدف إلى رفع كفاءة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات. ويأتي هذا التحرك استجابةً للتحديات العالمية المتعلقة بسلاسل الإمداد والتغير المناخي، مما يجعل من تعزيز الإنتاج المحلي ضرورة استراتيجية وليست مجرد خيار اقتصادي.
دور التقنية والزراعة المستدامة
لعبت التقنيات الحديثة دوراً حاسماً في تحقيق هذه النتائج، خاصة في ظل التحديات المائية التي تواجهها المملكة. فقد توسعت السعودية في استخدام تقنيات الزراعة المائية (الهيدروبونيك)، والبيوت المحمية المكيفة، وأنظمة الري الذكية التي توفر استهلاك المياه وترفع من جودة المحاصيل. هذا التحول التقني ساهم في زيادة إنتاج الخضروات والفواكه بمواصفات عالمية، مما عزز ثقة المستهلك بالمنتج الوطني.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
إن ارتفاع نسب الاكتفاء الذاتي يحمل في طياته تأثيرات اقتصادية واسعة النطاق. فعلى الصعيد الاقتصادي، يساهم ذلك في تقليل الفاتورة الاستيرادية، والحفاظ على العملة الصعبة، وزيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. أما اجتماعياً، فإن انتعاش هذا القطاع يخلق آلاف الفرص الوظيفية للمواطنين، سواء في المزارع المباشرة أو في الصناعات الغذائية التحويلية وسلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية المرتبطة بها.
ختاماً، تؤكد هذه المؤشرات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أمن غذائي مستدام، مدعومة بإرادة سياسية قوية واستثمارات ضخمة في البنية التحتية الزراعية والتقنية.


