في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعميق العلاقات الاقتصادية الثنائية، تتجه المملكة العربية السعودية والجمهورية التونسية نحو تعزيز التكامل الصناعي بينهما، وفتح آفاق جديدة للتعاون في قطاعات حيوية تخدم الأهداف التنموية لكلا البلدين. وتأتي هذه المساعي في إطار لقاءات مكثفة جمعت مسؤولين رفيعي المستوى، على رأسهم وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، ونظرائه في الحكومة التونسية، لبحث سبل تحويل الرؤى المشتركة إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع.
خلفية تاريخية وسياق استراتيجي
ترتكز العلاقات السعودية التونسية على أسس تاريخية متينة من التعاون السياسي والاقتصادي. ولطالما كانت المملكة من أبرز الشركاء التجاريين والمستثمرين في تونس. إلا أن الزخم الحالي يكتسب أهمية خاصة، حيث يتزامن مع تحولات اقتصادية كبرى في كلا البلدين. فمن جهة، تسعى المملكة العربية السعودية، عبر رؤية 2030، إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، وتعزيز قدراتها الصناعية لتصبح مركزًا لوجستيًا وصناعيًا عالميًا. ومن جهة أخرى، تعمل تونس على جذب الاستثمارات الأجنبية لإنعاش اقتصادها، والاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي كبوابة إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية.
أهمية الحدث وتأثيره المتوقع
يحمل تعزيز التكامل الصناعي بين البلدين أبعادًا اقتصادية واستراتيجية هامة. فعلى المستوى المحلي، سيساهم هذا التعاون في خلق فرص عمل جديدة في تونس، ونقل التكنولوجيا والخبرات السعودية المتقدمة في مجالات مثل البتروكيماويات والتعدين. كما سيتيح للشركات التونسية، خاصة في قطاعات الصناعات الغذائية وقطع غيار السيارات والنسيج، فرصة أكبر للوصول إلى السوق السعودي الضخم، والذي يعد أكبر أسواق منطقة الخليج.
أما بالنسبة للسعودية، فإن الشراكة مع تونس تفتح الباب أمام الاستفادة من الكفاءات والخبرات التونسية، وتوفر منصة لتوسيع نطاق صادراتها غير النفطية تحت شعار “صنع في السعودية” إلى شمال أفريقيا وأوروبا. كما أن التعاون في قطاع التعدين، خاصة الفوسفات، يعزز من أمن المملكة في مجال الأسمدة والصناعات التحويلية المرتبطة به.
وعلى المستويين الإقليمي والدولي، يمثل هذا التقارب نموذجًا ناجحًا للتعاون الاقتصادي العربي-العربي، ويعزز من مرونة سلاسل الإمداد في المنطقة في مواجهة التحديات العالمية. إن بناء شراكات صناعية قوية بين الاقتصادات العربية لا يخدم مصالحها الثنائية فحسب، بل يساهم أيضًا في زيادة قدرتها التنافسية على الساحة الدولية، ويجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات العالمية.


