في حدث اقتصادي غير مسبوق، سجلت أسعار الفضة قفزة نوعية بتجاوزها حاجز الـ 60 دولاراً للأوقية لأول مرة في تاريخ التداولات العالمية، مما يمثل نقطة تحول كبرى في أسواق المعادن النفيسة. يأتي هذا الارتفاع القياسي وسط موجة من التغيرات الاقتصادية العالمية والطلب الصناعي المتزايد، ليعيد تشكيل خريطة الاستثمار في الملاذات الآمنة.
كسر الحواجز التاريخية: من 1980 إلى اليوم
لفهم حجم هذا الإنجاز السعري، يجب النظر إلى السياق التاريخي لحركة الفضة. تاريخياً، كان أعلى مستوى اقتربت منه الفضة هو حاجز الـ 50 دولاراً للأوقية، وهو رقم تم اختباره مرتين فقط في العقود الماضية. المرة الأولى كانت في عام 1980 خلال ما يعرف بـ "خميس الفضة" المرتبط بمحاولات الأخوين هانت لاحتكار السوق، والمرة الثانية كانت في عام 2011 متأثرة بتداعيات الأزمة المالية العالمية وضعف الدولار.
إن تجاوز سعر 60 دولاراً اليوم لا يعني مجرد رقم جديد، بل يعني كسر المقاومة النفسية والفنية التي استمرت لأكثر من أربعة عقود، مما يفتح الباب أمام توقعات وتحليلات جديدة لمستقبل هذا المعدن الأبيض.
دوافع الارتفاع: الصناعة والطاقة النظيفة
على عكس الذهب الذي يعتمد بشكل أساسي على الاستثمار والمجوهرات، تستمد الفضة جزءاً كبيراً من قيمتها من الطلب الصناعي. يُعزى هذا الصعود التاريخي بشكل كبير إلى التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة. تعتبر الفضة عنصراً أساسياً لا غنى عنه في صناعة الألواح الشمسية (الخلايا الكهروضوئية)، ومع تسابق الدول لتحقيق الحياد الكربوني، تضاعف الطلب على الفضة بشكل يفوق المعروض في المناجم.
إضافة إلى ذلك، تدخل الفضة بكثافة في صناعة الإلكترونيات، وشبكات الجيل الخامس (5G)، والسيارات الكهربائية، مما يجعلها معدناً استراتيجياً لمستقبل التكنولوجيا، وليس مجرد مخزن للقيمة.
التأثير الاقتصادي ودور الملاذ الآمن
يأتي هذا الارتفاع أيضاً في ظل مخاوف التضخم العالمية وتقلبات العملات الورقية. يلجأ المستثمرون عادة إلى المعادن النفيسة كأداة للتحوط ضد تآكل القوة الشرائية. ومع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، اتجهت الأنظار إلى الفضة باعتبارها "ذهب الفقراء" أو الخيار الاستثماري ذو العائد المحتمل الأعلى نظراً لانخفاض قيمتها مقارنة بالذهب (نسبة الذهب إلى الفضة).
من المتوقع أن يلقي هذا الارتفاع بظلاله على تكاليف التصنيع في القطاعات التكنولوجية، كما قد يؤدي إلى انتعاش كبير في أسهم شركات التعدين التي عانت لسنوات من ضغوط الأسعار المنخفضة، مما يعزز من جاذبية قطاع التعدين كفرصة استثمارية واعدة في الفترة المقبلة.


