أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في تصريحات حاسمة تعكس استراتيجية الدولة المصرية في التعامل مع الملفات الخارجية، أن مصر لم تلجأ يوماً لغة التهديد في تعاملها مع إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة، مشدداً على أن الخلافات القائمة يجب أن تُحل عبر الحوار البناء والتفاوض السلمي الذي يضمن حقوق جميع الأطراف.
وجاءت هذه التصريحات لتوضح الموقف المصري الثابت الذي يوازن بين الحفاظ على الأمن القومي المائي وبين الرغبة في عدم الانزلاق إلى صراعات قد تضر باستقرار المنطقة. وأشار الرئيس إلى أن مصر تحترم حق الشعوب في التنمية، بما في ذلك الشعب الإثيوبي، ولكن ذلك يجب ألا يكون على حساب شريان الحياة الوحيد للمصريين، وهو نهر النيل.
السياق التاريخي لأزمة سد النهضة
تعود جذور الخلاف حول سد النهضة إلى أكثر من عقد من الزمان، حيث بدأت إثيوبيا في بناء السد على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، مما أثار مخاوف مشروعة لدى دولتي المصب (مصر والسودان) حول تأثير ذلك على حصصهما المائية. وعلى مدار سنوات، انخرطت الدول الثلاث في جولات مفاوضات ماراثونية تحت مظلات مختلفة، شملت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأفريقي، بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليتي الملء والتشغيل.
وتستند مصر في موقفها إلى اتفاقيات تاريخية وقواعد القانون الدولي التي تمنع إحداث ضرر جسيم بدول المصب. وقد وقعت الدول الثلاث في عام 2015 على "إعلان المبادئ" بالخرطوم، الذي كان يهدف لبناء الثقة، إلا أن التعثر في التوصل لاتفاق نهائي وشامل ظل سيد الموقف في جولات التفاوض اللاحقة، مما استدعى تأكيد القيادة السياسية المصرية مراراً على ضرورة الحل الدبلوماسي.
أهمية الحوار وتأثيره على الاستقرار الإقليمي
تكتسب دعوة الرئيس السيسي للحوار أهمية قصوى نظراً لحساسية الوضع الجيوسياسي في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل. فالتصعيد العسكري أو التوترات السياسية الحادة قد تؤدي إلى تداعيات سلبية لا تقتصر آثارها على الدول الثلاث فحسب، بل تمتد لتهدد السلم والأمن الدوليين في منطقة حيوية من العالم.
ويرى المراقبون الدوليون أن التزام مصر بمسار التفاوض يعكس نضجاً سياسياً وإدراكاً للمخاطر، حيث تسعى القاهرة لحشد المجتمع الدولي والشركاء الإقليميين للضغط نحو التوصل لحل توافقي. وتؤكد مصر دائماً أن مياه النيل قضية وجودية لا تقبل التهاون، لكنها في الوقت ذاته تمد يد التعاون لتحويل النهر إلى ساحة للشراكة والتنمية بدلاً من الخلاف والصراع.
وفي الختام، يظل الموقف المصري راسخاً في المطالبة باتفاق قانوني ملزم يضمن لإثيوبيا توليد الكهرباء وتحقيق التنمية، ويضمن لمصر والسودان تدفقات مائية آمنة ومستدامة، تجنباً لأي أضرار بيئية أو اقتصادية قد تلحق بشعوب دول المصب في سنوات الجفاف والجفاف الممتد.


