في تطور جديد للأزمة السودانية المستمرة، رفضت الحكومة السودانية بشكل قاطع المقترح الذي تقدم به قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والداعي إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر. ووصف وزير الإعلام السوداني، خالد الأعيسر، هذا الإعلان بأنه «مناورة سياسية» مكشوفة تهدف إلى تضليل المجتمع الدولي وكسب الوقت لإعادة ترتيب الصفوف العسكرية.
تشكيك حكومي في النوايا
أكد الوزير الأعيسر في تصريحات صحفية، اليوم الثلاثاء، أن التجارب السابقة مع قوات الدعم السريع أثبتت استغلالها لفترات وقف إطلاق النار والهدن الإنسانية كغطاء لعمليات الإمداد العسكري ونقل الأسلحة إلى محاور القتال المختلفة. وأشار إلى أن توقيت هذا الإعلان يتناقض بشكل صارخ مع التصعيد العسكري والانتهاكات التي ترتكبها هذه القوات على الأرض، واصفاً تصريحات دقلو بأنها «محاولة يائسة لتلميع صورته» أمام العالم الخارجي بعد سلسلة من الإدانات الحقوقية.
السياق الميداني ومعارك الفاشر
يأتي هذا الرفض الحكومي في وقت تشهد فيه مدن سودانية عدة، أبرزها الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) ومدينة بارا، مواجهات عنيفة وانتهاكات واسعة اتهمت الحكومة قوات الدعم السريع بارتكابها. ويرى مراقبون أن الدعوة للهدنة قد تكون ناتجة عن ضغوط ميدانية أو رغبة في تخفيف الضغط الدولي المتزايد بشأن الأوضاع الإنسانية الكارثية في دارفور، إلا أن الحكومة السودانية تصر على أن الحل يكمن في الالتزام بـ «خارطة الطريق» التي طرحها الجيش.
خارطة الطريق والحل العسكري
جدد وزير الإعلام التمسك بالرؤية التي قدمها رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، كسبيل وحيد لإنهاء الحرب. وتستند هذه الرؤية إلى ضرورة خروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، وهو شرط أساسي تضعه الحكومة قبل الحديث عن أي عملية سياسية. وكان البرهان قد شدد مراراً على رفض أي تسوية تعيد عقارب الساعة إلى الوراء أو تمنح الدعم السريع دوراً سياسياً أو عسكرياً في مستقبل السودان، مطالباً بإنهاء التمرد بشكل كامل.
الأبعاد الدولية والمبادرات المطروحة
تتقاطع هذه التطورات مع حراك دبلوماسي إقليمي ودولي، حيث أشارت التقارير إلى مبادرة «الرباعية الدولية» (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر) التي طُرحت في 12 سبتمبر الماضي. تضمنت تلك المبادرة مقترحات لهدنة طويلة الأمد تمهد لحكومة مدنية، مع استبعاد الحل العسكري وإبعاد التيارات الأيديولوجية عن المشهد. ومع ذلك، يبدو أن الفجوة لا تزال واسعة بين الأطراف المتحاربة، حيث تنظر الحكومة السودانية بعين الريبة لأي مقترحات لا تتضمن آليات تنفيذية صارمة لإخراج المسلحين من المدن.
وختاماً، يعكس هذا السجال السياسي غياب الثقة الكامل بين طرفي النزاع، مما ينذر باستمرار العمليات العسكرية وتفاقم الأزمة الإنسانية التي شردت الملايين، في ظل غياب أفق سياسي واضح ينهي معاناة الشعب السوداني في القريب العاجل.


