في ظل تصاعد حدة التوترات السياسية والاقتصادية التي تعصف بكاراكاس، تتجه الأنظار صوب البيت الأبيض حيث يعقد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اجتماعاً حاسماً مع أركان إدارته لمناقشة الملف الفنزويلي. يأتي هذا الاجتماع وسط تساؤلات ملحة عما إذا كانت واشنطن بصدد اتخاذ خطوات تصعيدية أخيرة قد تغير موازين القوى في الدولة اللاتينية الغنية بالنفط.
سياسة الضغوط القصوى والعقوبات الاقتصادية
لطالما تبنت إدارة ترمب استراتيجية "الضغوط القصوى" تجاه نظام الرئيس نيكولاس مادورو، مستخدمة سلاح العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية. شملت هذه العقوبات حظر التعامل مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية (PDVSA)، التي تعد شريان الحياة للاقتصاد الفنزويلي. يهدف الاجتماع المرتقب إلى تقييم جدوى هذه العقوبات وما إذا كانت قد حققت أهدافها في إضعاف قبضة النظام، أم أن هناك حاجة لتبني استراتيجيات بديلة أكثر صرامة قد تصل إلى التلويح بالخيارات العسكرية، وهو الخيار الذي طالما أكد ترمب أنه "مطروح على الطاولة".
خلفية الأزمة: من الرخاء النفطي إلى الانهيار
لفهم أهمية هذا الاجتماع، لا بد من العودة إلى جذور الأزمة. تعاني فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، من انهيار اقتصادي غير مسبوق في تاريخ أمريكا اللاتينية الحديث. بدأ التدهور مع انخفاض أسعار النفط وسوء الإدارة الاقتصادية، مما أدى إلى تضخم مفرط ونقص حاد في الغذاء والدواء. هذا الوضع الكارثي دفع الملايين من الفنزويليين إلى الهجرة نحو دول الجوار، مما حول الأزمة المحلية إلى قضية إقليمية تهدد استقرار القارة الجنوبية بأسرها.
البعد الدولي والصراع الجيوسياسي
لا يمكن عزل الملف الفنزويلي عن الصراع الجيوسياسي الأوسع بين القوى العظمى. فبينما تقود الولايات المتحدة تحالفاً دولياً واسعاً يدعم المعارضة الفنزويلية ويدعو لانتقال ديمقراطي للسلطة، يحظى مادورو بدعم قوي من قوى دولية منافسة لواشنطن، وتحديداً روسيا والصين، اللتين قدمتا دعماً مالياً وعسكرياً للنظام. هذا الاستقطاب الدولي يجعل من أي قرار يتخذه ترمب وإدارته في هذا الاجتماع ذا حساسية بالغة، حيث قد يؤدي أي تصعيد غير محسوب إلى توترات دولية تتجاوز حدود فنزويلا.
هل تكون الفرصة الأخيرة؟
يشير المحللون إلى أن هذا الاجتماع قد يمثل "الفرصة الأخيرة" لإحداث تغيير سلمي أو شبه سلمي قبل انزلاق البلاد نحو فوضى شاملة أو حرب أهلية. إن نفاد صبر المجتمع الدولي وتفاقم المعاناة الإنسانية يضعان إدارة ترمب أمام مسؤولية تاريخية؛ فإما الدفع نحو حل دبلوماسي حازم مدعوم بضغط دولي مكثف، أو الاستعداد لسيناريوهات أكثر قتامة قد تعيد رسم الخريطة السياسية لأمريكا اللاتينية لسنوات قادمة.


