في تحول لافت عن تصريحاته النارية خلال حملته الانتخابية، تراجع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب عن تحديد موعد نهائي صارم للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الدائرة في أوكرانيا. ويأتي هذا التغير في النبرة ليعكس اصطدام الوعود الانتخابية بتعقيدات الواقع الجيوسياسي، حيث كان ترمب قد صرح مراراً بأنه قادر على إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا في غضون 24 ساعة فقط بمجرد توليه السلطة.
خلفية الوعود الانتخابية والواقع الميداني
لطالما انتقد ترمب سياسة إدارة الرئيس جو بايدن في التعامل مع الملف الأوكراني، واصفاً المساعدات العسكرية والمالية الضخمة بأنها استنزاف للموارد الأمريكية. وقد بنى جزءاً كبيراً من خطابه السياسي على فكرة "أمريكا أولاً"، ملمحاً إلى ضرورة دفع الأطراف المتنازعة نحو طاولة المفاوضات فوراً. ومع ذلك، فإن عدم تحديد جدول زمني الآن يشير إلى إدراك فريق ترمب الانتقالي لصعوبة فرض حل سريع يرضي الطرفين، خاصة في ظل تمسك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باستعادة الأراضي المحتلة، وإصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شروطه الأمنية والجغرافية.
السياق التاريخي للصراع
تعود جذور الأزمة الحالية إلى ما هو أبعد من الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022، حيث بدأ التوتر فعلياً منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 واندلاع المعارك في إقليم دونباس. وعلى مدار سنوات، فشلت اتفاقيات مينسك في إرساء سلام دائم. واليوم، مع دخول الحرب عامها الثالث، تحولت المعارك إلى حرب استنزاف طاحنة، مما يجعل أي حل دبلوماسي يتطلب ترتيبات أمنية معقدة وضمانات دولية تتجاوز مجرد الاتفاق الشفهي بين الزعماء.
التأثيرات المتوقعة محلياً ودولياً
يحمل تراجع ترمب عن تحديد موعد نهائي دلالات عميقة على عدة مستويات:
- على الصعيد الأوكراني: قد يمنح هذا التراجع كييف متنفساً مؤقتاً من الضغوط المتوقعة لتقديم تنازلات إقليمية فورية، لكنه يبقي حالة من عدم اليقين بشأن استمرار الدعم العسكري الأمريكي بنفس الوتيرة.
- على الصعيد الأوروبي: يراقب قادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو هذه التحولات بقلق بالغ. فبينما تسعى أوروبا لتعزيز قدراتها الدفاعية المستقلة، لا تزال المظلة الأمريكية عنصراً حاسماً في أمن القارة. تراجع ترمب قد يعني استراتيجية أمريكية أكثر براغماتية ولكنها أقل صداماً مما كان متوقعاً.
- على الصعيد الروسي: قد تفسر موسكو هذا الموقف على أنه بداية لمفاوضات طويلة الأمد تهدف إلى تجميد الصراع بدلاً من حله نهائياً، وهو سيناريو قد يكون مقبولاً للكرملين للحفاظ على مكاسبه الميدانية الحالية.
في الختام، يبدو أن الإدارة الأمريكية القادمة تتجه نحو تبني سياسة "الغموض الاستراتيجي"، حيث تلوح بوقف الدعم للضغط على أوكرانيا، وفي الوقت نفسه تلوح بزيادته للضغط على روسيا، دون إلزام نفسها بجدول زمني قد يفشل في تحقيقه، مما قد يضر بصورة الرئيس كصانع صفقات محنك.


