أثار الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية في واشنطن، بعد تصريحاته التي تعهد فيها بإلغاء ومراجعة كافة الأوامر التنفيذية والقرارات التي وقعها الرئيس جو بايدن باستخدام تقنية «القلم الآلي» (Autopen)، مشككاً في دستوريتها وشرعيتها القانونية. وتأتي هذه الخطوة كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تفكيك إرث الإدارة الحالية في حال عودته إلى البيت الأبيض.
ما هو القلم الآلي ولماذا يثير الجدل؟
«القلم الآلي» هو جهاز ميكانيكي يستخدم لنسخ توقيع الرئيس بدقة متناهية على المستندات الرسمية. ورغم أن استخدامه يعود إلى عهد الرئيس دوايت أيزنهاور في الخمسينيات لتوقيع المراسلات الروتينية، إلا أن الجدل يتصاعد عندما يتم استخدامه لتوقيع تشريعات كبرى أو أوامر تنفيذية حساسة أثناء غياب الرئيس جسدياً عن واشنطن. ويرتكز ترمب وحلفاؤه في هجومهم على التفسير الحرفي للدستور الأمريكي، الذي يتطلب من الرئيس «توقيع» مشاريع القوانين لتصبح نافذة، حيث يجادلون بأن التوقيع يجب أن يكون فعلاً شخصياً ومباشراً وليس ميكانيكياً.
سوابق تاريخية وسياق قانوني
لا يعد استخدام القلم الآلي سابقة خاصة بإدارة بايدن؛ فقد لجأ إليه رؤساء سابقون في ظروف محددة. ولعل أبرز تلك الحالات ما حدث في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2013، عندما وقع قانوناً لتجنب «الهاوية المالية» باستخدام القلم الآلي وهو يقضي عطلته في هاواي. في ذلك الوقت، أصدر مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل (OLC) رأياً قانونياً يفيد بأن استخدام القلم الآلي يفي بالمتطلبات الدستورية طالما أن الرئيس قد أصدر توجيهاً واضحاً وشخصياً بالتوقيع على الوثيقة المحددة.
الأبعاد السياسية وتأثير القرار
يحمل تهديد ترمب بإلغاء هذه الأوامر أبعاداً تتجاوز الجانب الإجرائي؛ فهو يمثل أداة سياسية للطعن في شرعية قرارات اتخذت في أوقات حرجة. إذا ما تم المضي قدماً في هذا الطرح، فقد يفتح الباب أمام فوضى قانونية تؤثر على مئات القرارات الإدارية والتعيينات واللوائح التنظيمية التي تم تمريرها بهذه الطريقة. محلياً، قد يؤدي ذلك إلى تجميد مشاريع قوانين سارية، بينما دولياً، قد يبعث برسائل غير مطمئنة للحلفاء حول استقرار الالتزامات الأمريكية التي قد تسقط بمجرد الطعن في آلية التوقيع عليها.
وفي الختام، تظل قضية «القلم الآلي» مثالاً حياً على الاشتباك المستمر بين التقاليد الدستورية العريقة ومتطلبات الإدارة الحديثة في عصر السرعة، وهي معركة من المتوقع أن تشهد فصولاً جديدة في أروقة المحاكم والكونغرس خلال الفترة المقبلة.


