في خطوة وُصفت بأنها تحول جذري في سياسات الرعاية الصحية الأمريكية، اتخذ الرئيس دونالد ترامب حزمة من الإجراءات والقرارات التنفيذية التي تهدف بشكل مباشر إلى خفض أسعار الأدوية الموصوفة، واضعاً حداً لما وصفه بـ "استغلال" شركات الصناعات الدوائية للمرضى الأمريكيين.
سياق الأزمة: لماذا الدواء باهظ الثمن في أمريكا؟
لفهم أهمية هذه القرارات، يجب النظر إلى الخلفية التاريخية لسوق الدواء في الولايات المتحدة. لطالما عانى المواطن الأمريكي من أعلى تكاليف للأدوية في العالم، حيث يدفع الأمريكيون أحياناً أضعاف ما يدفعه نظراؤهم في دول متقدمة أخرى مثل كندا وألمانيا لنفس الدواء ونفس الشركة المصنعة. يعود هذا التفاوت الكبير إلى غياب التنظيم الحكومي الصارم للأسعار سابقاً، وقوة جماعات الضغط (اللوبي) التابعة لشركات الأدوية التي كانت تمنع أي تشريعات تحد من أرباحها الهائلة.
تفاصيل التحرك: استراتيجية "الدولة الأولى بالرعاية"
تتضمن الاستراتيجية الجديدة تفعيل مبدأ "الدولة الأولى بالرعاية" (Most Favored Nation)، والذي ينص على أن برنامج الرعاية الصحية الحكومي (ميديكير) لن يدفع لشركات الأدوية أكثر مما تدفعه الدول الأخرى ذات الدخل المرتفع. هذا القرار يضرب عصب الأرباح الاحتكارية، حيث يجبر الشركات على توحيد معايير التسعير أو خفضها للسوق الأمريكي الضخم.
بالإضافة إلى ذلك، تضمنت التحركات السماح للولايات باستيراد الأدوية من كندا ودول أخرى حيث تكون الأسعار أرخص بكثير، وهو إجراء طالما حاربته شركات الأدوية بدعوى "السلامة"، بينما يرى الخبراء أنه وسيلة فعالة لكسر الاحتكار وخلق منافسة سعرية حقيقية.
التأثير الاقتصادي والاجتماعي المتوقع
من المتوقع أن يكون لهذه القرارات تأثيرات واسعة النطاق:
- على المستوى المحلي: سيشعر كبار السن والمرضى الذين يعتمدون على أدوية مزمنة (مثل الإنسولين وأدوية السرطان) بانفراجة مالية كبيرة، حيث ستذهب الخصومات مباشرة إلى جيوبهم بدلاً من أن تبتلعها شركات الوساطة وإدارة الصيدليات.
- على قطاع الأعمال: تواجه شركات الأدوية تحدياً كبيراً قد يقلص هوامش ربحها، مما دفع بعضها للتهديد بأن هذه الإجراءات قد تؤثر على ميزانيات البحث والتطوير، وهي حجة يرفضها المؤيدون للقرار معتبرين أن الأرباح الحالية تتجاوز المعقول.
- على المستوى الدولي: قد يؤدي ضغط الأسعار في أمريكا إلى إعادة هيكلة سوق الدواء العالمي، حيث قد تسعى الشركات لتعويض خسائرها المحتملة في السوق الأمريكي عبر مفاوضات جديدة في أسواق أخرى.
تُمثل هذه الخطوات مواجهة مباشرة بين الإدارة السياسية ونفوذ الشركات الكبرى، وهي معركة ستحدد ملامح مستقبل الرعاية الصحية وتكاليف المعيشة لملايين المواطنين.
