في تطور لافت هز الأوساط السياسية والاقتصادية في كييف، شنت السلطات الأمنية الأوكرانية حملة مداهمات واسعة استهدفت شخصيات بارزة، كان على رأسها الملياردير المثير للجدل إيهور كولومويسكي، الذي طالما وُصف في وسائل الإعلام الغربية والمحلية بأنه «رجل زيلينسكي الأول» والداعم الأبرز لصعوده إلى سدة الحكم.
تفاصيل المداهمة والاتهامات الموجهة
أكدت تقارير جهاز الأمن الأوكراني (SBU) أن المداهمة التي استهدفت منزل كولومويسكي جاءت في إطار تحقيقات موسعة تتعلق بجرائم فساد مالي ضخم. وتتركز الاتهامات حول اختلاس ما يقارب 40 مليار هريفنيا (حوالي مليار دولار أمريكي) من شركتي النفط والغاز «أوكرنافتا» و«أوكرتاتنافتا». وتشير التحقيقات إلى تورط إدارة الشركات السابقة في التهرب من دفع الرسوم الجمركية وتبييض الأموال، وهي قضايا حساسة تأتي في وقت تحتاج فيه أوكرانيا إلى كل مورد مالي لدعم مجهودها الحربي.
من هو كولومويسكي؟.. من التحالف إلى المواجهة
لفهم عمق هذه «الفضيحة»، يجب العودة إلى الوراء قليلاً. يُعد كولومويسكي أحد أقوى «الأوليغارشية» في أوكرانيا، وقد لعب دوراً محورياً في المشهد السياسي لسنوات. كانت قناته التلفزيونية «1+1» هي المنصة التي بثت مسلسل «خادم الشعب» الذي مهد الطريق لشهرة فولوديمير زيلينسكي كسياسي، كما دعم حملته الانتخابية في عام 2019، مما جعل الكثيرين ينظرون إلى زيلينسكي في بداياته كواجهة لمصالح كولومويسكي.
ومع ذلك، بدأت العلاقة تأخذ منحى آخر مع تولي زيلينسكي السلطة وسعيه لإثبات استقلاليته، خاصة بعد تمرير قانون «تفكيك الأوليغارشية» في عام 2021، والذي يهدف إلى الحد من النفوذ السياسي لرجال الأعمال الأثرياء.
رسائل للداخل والخارج: سياق الحرب والانضمام للاتحاد الأوروبي
لا يمكن فصل هذا الحدث عن السياق الدولي والإقليمي. تأتي هذه المداهمات قبل وقت قصير من قمة مرتقبة مع الاتحاد الأوروبي، حيث تسعى كييف جاهدة لإثبات جديتها في مكافحة الفساد كشرط أساسي للحصول على العضوية. يرسل زيلينسكي من خلال هذه الخطوة رسالة مزدوجة:
- للغرب والمانحين الدوليين: مفادها أن المساعدات المالية والعسكرية في أيدٍ أمينة، وأن أوكرانيا الجديدة لن تتسامح مع الفساد حتى لو طال أقرب الحلفاء السابقين.
- للداخل الأوكراني: تأكيد على أن زمن الحصانة قد ولى، وأن الحرب ضد روسيا تتزامن مع حرب داخلية لتطهير مؤسسات الدولة من الفساد المستشري الذي نخر في جسد الاقتصاد لسنوات.
تداعيات الحدث ومستقبل الأوليغارشية
يُعد استهداف كولومويسكي نقطة تحول جذرية في السياسة الأوكرانية. فقد تم تأميم حصص كولومويسكي في شركات الطاقة الاستراتيجية لصالح الدولة تحت بند «قوانين الحرب». يشير المحللون إلى أن هذه الخطوة قد تكون بداية النهاية لنفوذ طبقة الأوليغارشية التي سيطرت على مقدرات البلاد منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، مما يفتح الباب أمام إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الأوكراني بما يتماشى مع المعايير الأوروبية.


