اتهامات الفساد تحيط بالدائرة المقربة من زيلينسكي
في وقت تخوض فيه أوكرانيا حرباً مصيرية، تعود قضية الفساد لتلقي بظلالها على أعلى المستويات في كييف، حيث تتصاعد الاتهامات والتحقيقات التي تطال الدائرة المقربة من الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وعلى رأسها مدير مكتبه، أندريه يرماك، الذي يُعتبر أحد أقوى الشخصيات في البلاد. هذه التطورات لا تثير قلقاً داخلياً فحسب، بل تهدد أيضاً بتقويض الثقة الدولية في وقت تعتمد فيه أوكرانيا بشكل حاسم على الدعم المالي والعسكري الغربي.
خلفية تاريخية: معركة أوكرانيا المزدوجة ضد الغزو والفساد
لطالما شكل الفساد تحدياً هيكلياً في أوكرانيا منذ استقلالها عام 1991. وقد كان السخط الشعبي ضد الفساد المستشري أحد الدوافع الرئيسية لثورة الكرامة عام 2014، التي أطاحت بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش. ومنذ ذلك الحين، اتخذت البلاد خطوات مهمة، بدعم من الشركاء الغربيين، لإنشاء بنية تحتية لمكافحة الفساد، بما في ذلك المكتب الوطني لمكافحة الفساد (NABU) ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد (SAPO). ورغم هذه الجهود، ظل الفساد متجذراً في العديد من قطاعات الدولة، وهو ما استغله الرئيس زيلينسكي نفسه في حملته الانتخابية عام 2019، حيث وعد بشن حرب لا هوادة فيها على هذه الآفة. واليوم، تجد إدارته نفسها في قلب العاصفة، مما يضع مصداقية وعوده على المحك.
أهمية الحدث وتأثيره المتوقع
تكتسب هذه الاتهامات أهمية قصوى نظراً للدور المحوري الذي يلعبه أندريه يرماك. فهو ليس مجرد مدير لمكتب الرئيس، بل هو مهندس رئيسي للسياسة الداخلية والخارجية، ومفاوض أساسي مع الحلفاء الدوليين. أي شبهة فساد تحوم حوله أو حول نوابه، مثل القضايا التي طالت نائبه السابق كيريلو تيموشينكو، تؤثر بشكل مباشر على صورة الحكومة الأوكرانية بأكملها.
- على الصعيد المحلي: يمكن أن تؤدي هذه القضايا إلى تآكل الثقة الشعبية في القيادة السياسية في وقت حرج يتطلب وحدة وطنية مطلقة. كما أنها تضعف الروح المعنوية للمواطنين والجنود الذين يقدمون تضحيات هائلة على الجبهة.
- على الصعيد الدولي: يراقب الشركاء الغربيون، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الوضع عن كثب. فالمليارات من الدولارات التي يتم تقديمها كمساعدات تأتي مع توقعات صارمة بالشفافية والمساءلة. أي فضيحة فساد كبرى قد تمنح زخماً للأصوات المعارضة في العواصم الغربية التي تدعو إلى تقليص الدعم لأوكرانيا. علاوة على ذلك، تعد مكافحة الفساد شرطاً أساسياً في مسار انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأي تراجع في هذا الملف قد يعرقل طموحاتها الأوروبية.
في المحصلة، فإن المعركة ضد الفساد في أوكرانيا لم تعد شأناً داخلياً، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من معركتها من أجل البقاء والسيادة، حيث أن أي فشل في هذا المجال يمكن أن يكون له تداعيات استراتيجية خطيرة على قدرتها على مواجهة العدوان الروسي وتأمين مستقبلها كدولة ديمقراطية أوروبية.


