كشفت تقارير صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن توقعات جديدة تشير إلى احتمالية عودة ما يقارب مليون لاجئ سوري إلى بلادهم بحلول عام 2026. يأتي هذا التقدير في وقت تشهد فيه المنطقة تحركات دبلوماسية وسياسية مكثفة تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة للأزمة السورية التي طال أمدها، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في الدول المستضيفة للاجئين.
سياق الأزمة وحجم النزوح التاريخي
لفهم أهمية هذا الرقم المتوقع، لا بد من العودة إلى جذور الأزمة التي اندلعت عام 2011، والتي تسببت في واحدة من أكبر موجات اللجوء والنزوح في التاريخ الحديث. تشير الإحصاءات الأممية الموثقة إلى أن الصراع في سوريا أدى إلى نزوح أكثر من 13 مليون شخص، منهم حوالي 6.8 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 5.5 مليون لاجئ مسجلين في الدول المجاورة، وتحديداً في تركيا، لبنان، الأردن، والعراق، بالإضافة إلى مصر.
على مدار أكثر من عقد، شكل ملف اللاجئين السوريين تحدياً إنسانياً ولوجستياً هائلاً للمجتمع الدولي، حيث عانى اللاجئون من ظروف معيشية قاسية، وفقدان للمنازل، وانقطاع عن التعليم، في حين تحملت الدول المستضيفة أعباءً اقتصادية تفوق قدراتها في كثير من الأحيان.
الدوافع والتحديات أمام العودة المتوقعة
إن الحديث عن عودة مليون لاجئ خلال السنوات القليلة القادمة يرتبط بعدة عوامل معقدة ومتشابكة. من جهة، هناك رغبة متزايدة لدى العديد من اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، خاصة مع هدوء جبهات القتال في مناطق واسعة من سوريا. ومن جهة أخرى، تلعب الظروف الاقتصادية الصعبة في دول الجوار، مثل الأزمة المالية في لبنان والتضخم في تركيا، دوراً دافعاً للتفكير في العودة.
ومع ذلك، تؤكد المفوضية والمنظمات الحقوقية دائماً على ضرورة أن تكون أي عودة "طوعية، آمنة، وكريمة". وهذا يطرح تساؤلات جوهرية حول جاهزية البنية التحتية في سوريا لاستقبال هذه الأعداد. فالدمار الذي لحق بشبكات المياه، الكهرباء، المدارس، والمستشفيات يتطلب جهوداً دولية ضخمة لإعادة الإعمار والتعافي المبكر لضمان حياة كريمة للعائدين.
التأثير الإقليمي والدولي
تعتبر عودة مليون لاجئ، في حال تحققها وفق المعايير الأممية، نقطة تحول محورية في مسار الأزمة السورية. إقليمياً، سيساهم ذلك في تخفيف الضغط الديموغرافى والاقتصادي على دول الجوار التي استنزفت مواردها على مدار سنوات. أما دولياً، فإن هذا الملف يرتبط بشكل وثيق بمسارات الحل السياسي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، حيث يعتبر ملف اللاجئين أحد الركائز الأساسية لأي تسوية سياسية شاملة.
ختاماً، تبقى هذه التوقعات مرهونة بتطورات الأوضاع على الأرض، ومدى توفر الضمانات الأمنية والقانونية للعائدين، بالإضافة إلى حجم الدعم الدولي الذي سيقدم لتسهيل عملية إعادة الإدماج وتوفير سبل العيش الكريم داخل سوريا.


