أكد مستشار الرئيس الأمريكي، في تصريحات تعكس قلق الإدارة الأمريكية المتزايد، أن التوصل إلى هدنة فورية ومستدامة في السودان لم يعد مجرد خيار سياسي مطروح على طاولات المفاوضات، بل بات ضرورة إنسانية ملحة وقصوى لإنقاذ أرواح ملايين المدنيين العالقين في مناطق الاشتباك. ويأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه الأوضاع الميدانية تعقيدات متزايدة تتطلب تدخلاً دولياً حاسماً لوقف نزيف الدم.
السياق العام وتطورات الصراع في السودان
لفهم أهمية هذه الدعوة الأمريكية، يجب النظر إلى الخلفية التاريخية للأزمة الحالية. اندلع الصراع المسلح في السودان في الخامس عشر من أبريل عام 2023، بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). هذا النزاع لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة لتوترات سياسية وعسكرية تراكمت عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، وتعثر عملية الانتقال الديمقراطي التي كان يعول عليها الشعب السوداني لبناء دولة مدنية حديثة.
ومنذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب في الخرطوم وامتدادها إلى ولايات دارفور وكردفان والجزيرة، تدهورت البنية التحتية للبلاد بشكل كبير، وخرجت معظم المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة، مما جعل الدعوة إلى الهدنة مسألة حياة أو موت بالنسبة للمواطنين الذين يواجهون خطر الجوع والمرض والقصف العشوائي.
الأبعاد الإنسانية والموقف الدولي
يشير الموقف الأمريكي إلى إدراك واشنطن لحجم الكارثة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم. فالحرب لم تؤدِ فقط إلى مقتل الآلاف، بل تسببت في تشريد الملايين داخلياً وخارجياً. وتشدد الولايات المتحدة، عبر مبعوثيها ومستشاري البيت الأبيض، على أن الحل العسكري لن يجلب الاستقرار للسودان، وأن الأولوية القصوى الآن هي فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإغاثية والطبية التي تكدست على الحدود أو تعذر توزيعها بسبب استمرار العمليات العسكرية.
التأثير الإقليمي والدولي لاستمرار الحرب
تتجاوز أهمية الهدنة في السودان الحدود الجغرافية للدولة، حيث يلقي الصراع بظلاله القاتمة على استقرار الإقليم ككل. دول الجوار مثل مصر، تشاد، وجنوب السودان تواجه ضغوطاً اقتصادية وأمنية هائلة نتيجة تدفق مئات الآلاف من اللاجئين. كما أن موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر وفي قلب القارة الأفريقية يجعل من استمرار الفوضى تهديداً للأمن والسلم الدوليين، مما يفسر الزخم الدبلوماسي الأمريكي والدولي (عبر منبر جدة وغيره) للضغط على طرفي النزاع للجلوس إلى طاولة المفاوضات والالتزام بوقف إطلاق النار.
ختاماً، تمثل تصريحات مستشار الرئيس الأمريكي رسالة واضحة لطرفي الصراع بأن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام استمرار المعاناة الإنسانية، وأن الهدنة هي الخطوة الأولى والأساسية نحو أي عملية سياسية مستقبلية تضمن وحدة السودان وسلامة أراضيه.


