في تطور لافت لمسار الحرب الدائرة في شرق أوروبا، كشفت تقارير سياسية وإعلامية حديثة عن رسائل حازمة وجهتها واشنطن إلى القيادة الأوكرانية في كييف. وتشير هذه المعطيات إلى أن الإدارة الأمريكية وضعت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول بصفقة تسوية سياسية لإنهاء الصراع، أو الاستعداد لمواجهة «هزيمة عسكرية وشيكة» في ظل المتغيرات الميدانية والسياسية الراهنة.
سياق الضغوط الأمريكية وتغير موازين القوى
تأتي هذه التحذيرات في وقت تشهد فيه الجبهات الأمامية ضغطاً روسياً متزايداً، حيث تمكنت القوات الروسية من تحقيق تقدم بطيء ولكن ثابت في مناطق دونباس، مستغلة النقص الحاد في الذخيرة والعتاد الذي تعاني منه القوات الأوكرانية. وتدرك واشنطن أن استمرار الحرب بوتيرتها الحالية، دون أفق سياسي واضح، قد يؤدي إلى استنزاف كامل لقدرات الجيش الأوكراني، مما يجعل خيار التفاوض من موقع ضعف أمراً حتمياً إذا لم يتم تدارك الموقف الآن.
وتشير التحليلات إلى أن هذا التحول في النبرة الأمريكية يرتبط بشكل وثيق بالديناميكيات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، حيث يتزايد الجدل حول جدوى استمرار الدعم المفتوح لكييف دون استراتيجية خروج واضحة، خاصة مع اقتراب استحقاقات انتخابية وتغير المزاج العام لدى دافعي الضرائب الأمريكيين.
الخلفية التاريخية: من الصمود إلى الجمود
لفهم عمق هذه الرسالة، يجب العودة إلى بدايات الغزو الروسي في فبراير 2022. حينها، فاجأت أوكرانيا العالم بصمودها ودفعها للقوات الروسية بعيداً عن العاصمة. ومع ذلك، تحولت الحرب بمرور الوقت إلى حرب استنزاف طويلة الأمد. ورغم الهجوم المضاد الذي شنته كييف في وقت سابق، إلا أن النتائج لم تكن بحجم التوقعات الغربية، مما رسخ قناعة لدى دوائر صنع القرار في واشنطن بأن الحل العسكري الحاسم قد لا يكون متاحاً، وأن استمرار الحرب لسنوات قد يصب في مصلحة موسكو التي تمتلك موارد بشرية وصناعية أكبر.
التداعيات المتوقعة: محلياً وإقليمياً
يحمل هذا الإنذار الأمريكي تداعيات خطيرة على عدة مستويات:
- على الصعيد المحلي الأوكراني: قد يؤدي القبول بصفقة تتضمن تنازلات جغرافية أو سياسية إلى اضطرابات داخلية، حيث يرى قطاع واسع من الأوكرانيين أن أي تنازل هو خيانة لدماء الضحايا. ومع ذلك، فإن رفض الصفقة قد يعني خسارة المزيد من الأراضي وربما انهيار الدولة.
- على الصعيد الأوروبي: تراقب العواصم الأوروبية هذا التحول بقلق. فبينما تعاني أوروبا من التبعات الاقتصادية للحرب وأزمة الطاقة، تخشى دول الجناح الشرقي للناتو (مثل بولندا ودول البلطيق) من أن أي تسوية هشة قد تمنح روسيا فرصة لإعادة تنظيم صفوفها وتهديد الأمن الأوروبي مستقبلاً.
- على الصعيد الدولي: يمثل هذا الموقف اعترافاً ضمنياً بحدود القوة الغربية في فرض إرادتها بالكامل، وقد يشجع قوى دولية أخرى على تحدي النظام العالمي القائم، معتبراً أن الغرب يميل في النهاية إلى التسويات الواقعية بدلاً من المواجهة المفتوحة.
في الختام، يبدو أن واشنطن تحاول هندسة مخرج يحفظ ماء الوجه للجميع، لكنه يضع كييف أمام أصعب اختباراتها منذ اندلاع الحرب: الاختيار بين سلام مؤلم أو حرب قد تنتهي بكارثة شاملة.


