أكد البيت الأبيض مجدداً أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في حال عودته إلى السلطة، سيمضي قدماً في تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» كمنظمة إرهابية أجنبية. يأتي هذا التأكيد ليجدد الجدل حول خطوة طالما كانت محور نقاش واسع في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية، والتي تحمل في طياتها تداعيات قانونية وسياسية عميقة قد تعيد تشكيل الديناميكيات في الشرق الأوسط وخارجه.
السياق التاريخي والجدل المستمر
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، وتُعد من أقدم وأكثر الحركات الإسلامية تأثيراً في العالم. انتشر فكرها عبر شبكة واسعة من الفروع والتنظيمات التابعة في عشرات الدول، معتمدة على مزيج من العمل الدعوي والاجتماعي والسياسي. لطالما كان الموقف الأمريكي من الجماعة معقداً ومتقلباً؛ فبينما يراها البعض حركة سياسية تستخدم الوسائل الديمقراطية للوصول إلى السلطة، يعتبرها آخرون، خاصة في الأوساط المحافظة، المنبع الأيديولوجي الذي استلهمت منه تنظيمات أكثر تطرفاً وعنفاً مثل القاعدة وداعش. وقد برزت محاولات لتصنيف الجماعة خلال إدارة ترامب الأولى في عام 2019، لكنها واجهت معارضة من داخل البنتاغون ووزارة الخارجية آنذاك بسبب مخاوف من تعقيد العلاقات مع حلفاء تستضيف بلادهم فروعاً للجماعة أو أحزاباً منبثقة عنها.
الأهمية والتأثير المتوقع للقرار
إن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) ليس مجرد خطوة رمزية، بل يترتب عليه مجموعة من الإجراءات القانونية والمالية الصارمة بموجب القانون الأمريكي. تشمل هذه الإجراءات تجميد أي أصول مالية للجماعة أو لأعضائها داخل النظام المالي الأمريكي، ومنع أي مواطن أمريكي أو كيان من تقديم أي شكل من أشكال الدعم المادي أو المالي لها، بالإضافة إلى فرض حظر على دخول أعضاء الجماعة إلى الولايات المتحدة.
على الصعيد المحلي الأمريكي: سيمنح القرار السلطات الفيدرالية أدوات أقوى لملاحقة الأفراد والمنظمات التي يُشتبه في ارتباطها المالي أو اللوجستي بالجماعة داخل الولايات المتحدة، مما قد يؤثر على شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية والمؤسسات التي يُعتقد أنها واجهة للجماعة.
على الصعيد الإقليمي: سيمثل هذا القرار دعماً قوياً لدول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي صنفت الجماعة بالفعل كمنظمة إرهابية وتخوض مواجهة سياسية وأمنية معها. في المقابل، سيضع القرار ضغوطاً هائلة على دول مثل تركيا وقطر، التي تُعتبر من أبرز داعمي الجماعة وتستضيف قياداتها، مما قد يزيد من التوترات الدبلوماسية بين واشنطن وهذه العواصم.
على الصعيد الدولي: من المتوقع أن يشجع القرار الأمريكي دولاً أوروبية أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة. فعلى الرغم من أن بعض الدول الأوروبية تنظر بقلق إلى أنشطة الجماعة، إلا أنها أحجمت عن تصنيفها بشكل كامل. قد يوفر القرار الأمريكي المرجعية السياسية والقانونية التي تدفعها لإعادة تقييم موقفها، مما يؤدي إلى تضييق الخناق الدولي على شبكات الجماعة المالية والإعلامية.
ويرى محللون أن هذه الخطوة، إن تمت، ستكون بمثابة تحول استراتيجي في سياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية، حيث ستوسع نطاقها من التركيز على الجماعات المسلحة فقط ليشمل الحركات الأيديولوجية التي يُنظر إليها على أنها تمهد الطريق للتطرف العنيف.


