تثير التحركات العسكرية والسياسية المستمرة للولايات المتحدة الأمريكية تساؤلات ملحة حول الأسباب الحقيقية والاستراتيجية وراء توسيع نطاق “الحرب على الإرهاب”، وهو المصطلح الذي صكته واشنطن عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. لم تعد هذه الحرب مقتصرة على جغرافيا محددة مثل أفغانستان أو العراق، بل امتدت لتشمل مناطق واسعة في أفريقيا، الشرق الأوسط، وجنوب آسيا، مما يستدعي قراءة متعمقة في الدوافع والخلفيات التاريخية لهذا التحول الاستراتيجي.
الخلفية التاريخية وتطور المفهوم
بدأت الحرب العالمية على الإرهاب كرد فعل مباشر واضطراري على تهديدات تنظيم القاعدة، مستندة قانونياً إلى “تفويض استخدام القوة العسكرية” (AUMF) الذي أقره الكونغرس الأمريكي عام 2001. في العقدين الماضيين، تحولت الاستراتيجية الأمريكية تدريجياً من الغزو البري الشامل والاحتلال طويل الأمد، كما حدث في العراق وأفغانستان، إلى استراتيجية “البصمة الخفيفة” أو العمليات عن بعد. تعتمد هذه الاستراتيجية الحديثة بشكل مكثف على الطائرات المسيرة (الدرونز)، والعمليات الخاصة الخاطفة، والتعاون الاستخباراتي، ودعم الجيوش المحلية. هذا التحول التكتيكي سمح لواشنطن بتوسيع رقعة عملياتها بتكلفة بشرية أقل لجنودها، ولكن بنطاق جغرافي أوسع بكثير يشمل عشرات الدول.
دوافع التوسع: بين الضرورة الأمنية والمصالح الجيوسياسية
يمكن تلخيص أسباب هذا التوسع المستمر في عدة نقاط جوهرية تستند إلى حقائق الميدان:
- تشتت وتطور التنظيمات المتطرفة: أدى الضغط العسكري على المراكز التقليدية للتنظيمات إلى ظهور فروع إقليمية لا مركزية (مثل ولاية خراسان، حركة الشباب في الصومال، وتنظيمات منطقة الساحل الأفريقي). هذا الانتشار السرطاني دفع البنتاغون لملاحقة هذه الفروع في مواطنها الجديدة لمنعها من التمدد.
- استراتيجية منع الملاذات الآمنة: تسعى العقيدة العسكرية الأمريكية لضمان عدم استغلال الدول الهشة أو التي تعاني من فراغ أمني كمنصات انطلاق لهجمات مستقبلية ضد المصالح الغربية، مما يبرر التدخل الاستباقي في دول مثل اليمن وليبيا والنيجر.
- المنافسة الدولية والموارد: يحمل التوسع بعداً جيوسياسياً لا يمكن إغفاله؛ فالتواجد العسكري تحت غطاء مكافحة الإرهاب في مناطق غنية بالموارد الطبيعية وممرات الطاقة، يخدم هدف قطع الطريق على التمدد الصيني والروسي المتزايد في تلك المناطق الحيوية.
التأثيرات الإقليمية والدولية المتوقعة
لهذا التوسع تداعيات عميقة ومعقدة؛ فعلى الصعيد المحلي للدول المستهدفة، غالباً ما يؤدي التدخل العسكري الخارجي إلى تفاقم عدم الاستقرار السياسي وتأجيج المشاعر القومية المعادية للغرب، مما قد يخلق بيئة خصبة لتنظيمات جديدة بدلاً من القضاء عليها. إقليمياً، يغير هذا التوسع موازين القوى ويفرض تحالفات أمنية جديدة قد تكون هشة.
أما على الصعيد الدولي، فقد أثار هذا النهج جدلاً قانونياً وحقوقياً واسعاً حول مفهوم سيادة الدول ومشروعية الضربات الاستباقية خارج مناطق النزاع المعلنة رسمياً. في الختام، يبدو أن توسيع نطاق الحرب على الإرهاب ليس مجرد إجراء عسكري مؤقت، بل هو جزء من عقيدة أمنية أمريكية شاملة تهدف للحفاظ على الهيمنة العالمية وضمان الأمن القومي، رغم ما يحمله ذلك من تكاليف اقتصادية باهظة ومخاطر استراتيجية طويلة الأمد.


