في تصريحات تعكس عمق التعقيدات التي تواجه مسار السلام في أوروبا الشرقية، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن قضية "الأرض" والسيادة الإقليمية تشكل التحدي الأهم والأكثر صعوبة في أي محادثات مستقبلية تهدف لإنهاء الحرب الدائرة مع روسيا. ويأتي هذا التصريح في وقت حساس تمر به الجبهة الأوكرانية، وسط تجاذبات دولية وضغوط متزايدة لإيجاد صيغة دبلوماسية توقف نزيف الخسائر البشرية والمادية.
تعقيدات ملف الأرض والسيادة
تعتبر مسألة الأراضي حجر العثرة الرئيسي في أي مفاوضات محتملة بين كييف وموسكو. فمنذ عام 2014، مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وبدء النزاع في منطقة دونباس، وصولاً إلى الغزو الشامل في فبراير 2022 الذي أدى إلى سيطرة القوات الروسية على أجزاء من مقاطعات زاباروجيا وخيرسون ولوغانسك ودونيتسك، تصر أوكرانيا رسمياً على استعادة كامل حدودها المعترف بها دولياً لعام 1991. في المقابل، تعتبر موسكو هذه المناطق جزءاً من أراضيها بموجب استفتاءات لم يعترف بها المجتمع الدولي، مما يخلق فجوة هائلة في مواقف الطرفين تجعل من التنازلات أمراً بالغ الصعوبة.
الضمانات الأمنية وعضوية الناتو
لا يمكن فصل ملف الأرض عن ملف الضمانات الأمنية. يدرك زيلينسكي والقيادة الأوكرانية أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار دون ضمانات أمنية قوية – وتحديداً عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو ضمانات مماثلة – قد يكون مجرد هدنة مؤقتة تسمح لروسيا بإعادة تجميع صفوفها. وتشير التحليلات السياسية إلى أن الحديث عن "الأرض" يرتبط جدلياً بمستقبل أوكرانيا الأمني؛ حيث يرى البعض في الغرب إمكانية طرح سيناريوهات تتضمن تجميد الصراع مقابل ضمانات أمنية قصوى، وهو ما يواجه معارضة داخلية شديدة في أوكرانيا التي تخشى تكرار سيناريوهات سابقة لم تمنع الحرب.
السياق الدولي والتأثيرات الجيوسياسية
تكتسب هذه التصريحات أهميتها من السياق الدولي الراهن، حيث يراقب العالم، وتحديداً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تطورات الموقف الأوكراني عن كثب. إن استمرار الحرب لا يؤثر فقط على البنية التحتية والاقتصاد الأوكراني الذي تضرر بشدة، بل يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي، وأمن الطاقة في أوروبا، والاستقرار الجيوسياسي العالمي. وتواجه الدول الغربية تحديات في استمرار تقديم الدعم العسكري والمالي بنفس الوتيرة، مما يضع ضغوطاً غير معلنة للدفع نحو طاولة المفاوضات.
ختاماً، يبقى تصريح زيلينسكي حول صعوبة ملف الأرض إقراراً بالواقع المرير للحرب: فالطريق إلى السلام محفوف بالألغام السياسية والعسكرية، وحل معضلة الأراضي المحتلة سيتطلب إبداعاً دبلوماسياً استثنائياً أو تغييراً جذرياً في موازين القوى على الأرض، حيث لا تزال المعارك هي التي ترسم حدود التفاوض حتى اللحظة.


